بعد أيام معدودات سيحل علينا شهر كريم ، هو الأبرز بين الشهور القمرية من حيث مكانته الدينية والروحية الخالصة ، شهر رمضان يطرق الأبواب معلناً عن قدومه في نفس موعده من الترتيب في الأشهر القمرية أو كما اصطلحت جداتنا بتسميتها ( الأشهر العربية ) تمييزا لها عن الشهور الإفرنجية ، ولن أقول جديدا عندما أشير إلى أن شهر رمضان يأتي هذه السنة في واحد من شهور الصيف التي تشتد فيها الحرارة ويطول اليوم ...كل هذا منطقي وسليم ، وأنا هنا لن أتحدث عن الشهر الكريم من حيث طقوسه الخاصة التي يحرص كل الليبيين والليبيات على القيام بها وعدم التفريط فيها ، مثل التجهيزات المنزلية المختلفة وترتيب البيوت وتنسيق المطابخ وإعداد العدة لاستقباله شهرا عزيزا مبجلا وهو الأمر الذي أرى أنه ينحى منحى إيجابيا وليس فيه من النتائج السلبية من شيء..
إلى هنا والكلام منطقي ومقنع وجميل ، نستعد تجهيزيا وماديا ومكانيا وحتى زمنيا ، لكن هل كان لنا استعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك الذي يؤدي من خلاله الجميع فريضة من فرائض الإسلام الخمس التي لا يقوم الإسلانم إلا بها ؟ هل حاولنا أن نؤكد بعض السلوكيات العقائدية لشهر رمضان ونجعلها من ضمن الاستعدادات المتجددة لاستقباله ؟
دعونا نأخذها واحدة واحدة ، ونحن نفعل كل هذا هل وضعنا جدولة عن الكيفية التي سنقضي بها شهر رمضان بحيث نضمن أن يكون شهر العبادة الروحية الكاملة وأن نضع في حسباننا أننا بصدد الدخول في زمن نخصصه للبقاء في مدرسة الصوم ولمدة شهر كامل هي فرصة سانحة ومواتية لمراجعة النفس ومحاسبتها والتقرب من الله بالعبادة والصوم والصلاة والدعاء والصدقة وصلة الرحم والتسبيح والاستغفار ؟ أم أن شهر رمضان قد تحول إلى مجرد شهر نستمتع فيه بالأكل ومعاودة الأكل واستمرارية التفكير في الأكل فيمر نهاره ثقيلا وينقضي ليله هدرا ؟
هل ونحن نجًد في الاستعداد لاستقبال زائرنا الكريم الذي كلما ودعناه في موسم منصرم دعونا الله في تضرع أن يجعلنا ممن يستقبلونه في موسم قدومه التالي ، هل عرفنا أبناءنا بمعنى الصيام والغاية منه وحكمته ؟ هل انتبهنا إلى أن هوة كبيرة وفجوة واسعة قد باعدت بين الحكمة من صيام شهر رمضان وبيننا حتى بتنا لا نرى فيه إلا موسما لمشاهدة المسلسلات والبرامج التي تنتج خصيصا له بينما مضمونها ومحتواها يتنافى تماما مع أهداف مدرسة الصوم وغاياتها ؟
إنه من الضروري جدا أن نعرًف أبناءنا بأهمية الصيام كعقيدة نمارسها طوعا وحبا وطمعا في مرضاة الله وأن شهر رمضان لا علاقة له باللهو والكسل والخمول وقيام الليل في غير منفعة وتمضية النهار في النوم والمشادات والمشاحنات ..
ونحن بهذا ننأى عن الحكمة من الصوم التي يفترض أن نتعلم من خلالها كيفية ترويض النفس على الصبر والصدق والمكابدة وتحدي كل المغريات والإحساس بمن لا يملكون قوت يومهم فيقضون الأيام يتضورون جوعا ، فتسلك نفوسنا مسلك المانح العاطي مما أعطاه الله فتصفو قلوب الناس على بعضهم بعضا فنخرج من شهر رمضان وقد زادت أرواحنا رفعة وقلوبنا رحمة ونفوسنا صفاء...هاهو شهر رمضان يمد الخطوات نحونا ، وكلما نقصت خطوة صار على مشارف أبواب أرواحنا وعقولنا ليكون أقرب ما يكون لأبواب منازلنا التي نتمنى أن تكون عامرة بكل ماهو خير ورزق وفير وعمل غزير نقصد من وراء القيام به نيل مرضاة الله ومحبته وغفرانه.
لن أنهي هذا الكلام إلا إذا قلت لكم : شهر رمضان يستأذنكم في الوصول فاحسنوا استقباله ووفادته وأكرموا مقامه بينكم وأدعو الله في صدق أن نكون وإياكم عندما يعود في مرات قادمة فيجدنا أمامه وقد حصدنا من الأجر الكثير ومن رضاء الله الكم الغفير ، كل العام وأنتم بألف خير ومبارك عليكم قدوم شهر الخير